5.95EUR

لمس أكتاف
[3268]

الناشرٍ: دار الشروق / 2011 / جديد / عدد الصفحات: 350 / رقم الطبعة: 1

ذات صباح شتوي جليدي في مونتريال استيقظت من نومي في البيت الكائن بمنطقة ويست ماونت الراقية على جرس يقرع الباب. فتحت فوجدت خواجة مفتخر فارع الطول يشبه الممثل الأمريكي الراحل «كاري جرانت» يقف بالباب وعلى شفتيه ابتسامة مهذبة، وكان بصحبته حارس البناية.قبل ان أسأله من يكون وماذا يريد بادر بمد يده مصافحاً ومعرفاً نفسه:»جاك كارتييه» المرشح للبرلمان عن المنطقة.نظرت للبواب فأمن على كلامه.سألته: أي خدمة؟.قال: أتيت لأطلعك على برنامجي ولأتعرف على مقترحاتكم وعلى أي طلبات قد تكون لسكان الحي فيما يخص الخدمات وتطويرها.دعوته للدخول وقدمت له شاياً، ثم تركته يتحدث ويحكي عن حزبه وبرنامجه السياسي، كذلك عن أحلامه في تطوير ملاعب الحي وحديقته الكبيرة، وتوسعة المكتبة التي تتوسط الحديقة ورفع مستوى المستشفي ودور الحضانة بالحي والباص المسائي وما اذا كنا نرغب في جعله يعمل طوال الليل.حدثني أيضاً عن المدرسة التي يدرس بها أبنائي ورغبته في تحسين خدماتها التعليمية. كنت أستمع اليه وأهز رأسي متصنعاً الجدية وباذلاً في الوقت نفسه جهداً لمنع نفسي من الضحك، وكلما أوغل في الشرح سمعت الصبي العابث داخلي وهو يطلق الضحكات المخلوطة بكلام بذيء يريد ان يشق لنفسه طريقاً للخارج!..ليس بسبب أي شيء سيئ قاله الرجل لا سمح الله، ولكن بسبب ان هذا الرجل الطيب لا يعرف من أنا ومن أين أتيت!..ولا يدرك ان الحديقة التي يريد ان يطورها هي واحدة من أجمل الحدائق التي رأيتها في حياتي، والملاعب العامة المتاحة للسكان بالمجان هي خدمة لا يحلم بها من أتى من بلد يبيعون فيه نسمة الهواء للناس، وان المكتبة الكائنة في وسطها تعير الكتب لأهل الحي بدون فلوس كما تؤجر لهم الأفلام باشتراك رمزي، وان الخدمة الطبية الراقية والمجانية تماماً بالمستشفي هي شيء لا يستوعبه عقلي الذي لا يحمل سوى ذكريات أليمة عن الطب والتمريض..ذكريات أتيت بها من مستشفيات وعيادات في وطن يقتل الفقراء اذا مرضوا عن قصد، ويقتل الأغنياء اذا مرضوا بعد ان يسلبهم فلوسهم..عن جهل!..و أي مدرسة تلك التي يريد تطوير الخدمات التعليمية بها؟.هل هي المدرسة التي تضم عشرة تلاميذ فقط في الفصل الواحد والتي يتناول بها أولادي وجبتين في اليوم؟.هل هي المدرسة التي بها معامل وملاعب ومسارح وجيم رياضي.هل هي المدرسة التي أرسلت لي خطاباً مليئاً بالأسف والاعتذار لاضطرارهم الى طلب التبرع بمبلغ 25 دولاراً لمن يرغب من أولياء الأمور من أجل المشاركة في الأنشطة الاجتماعية مع تأكيدهم على حقي في الرفض لأن التعليم في كندا بالمجان!. ماذا يريد مني هذا الرجل؟.وأي اقتراحات يمكنني ان أقدمها له فيما يتعلق بخدمات الحي الذي من فرط نظافته وبهائه يصيبني بالضيق والحزن على حال أهلي وناسي الذين تركتهم ورائي للمسؤولين في مصر يفترسونهم!. وأما عن حزبه وبرنامج حزبه فمالي أنا اذا كانوا يبيحون الاجهاض أو يجرمونه، ومالي إذا قلصوا وارداتهم من الولايات المتحدة أو فتحوا باب الاستيراد على مصراعيه، وما شأني بزيادة الضريبة على التبغ، وماذا يعنيني اذا كانوا يسمحون بادخال المارلبورو الأمريكي الأحمر في الحال أم ينتظرون حتى تستجيب شركة فيليب موريس للطلب الكندي وتوافق على وضع صورة الجمجمة المخيفة على علب السجاير!. هذا الرجل لا يعرف أنه في الوقت الذي يحدثني هذا الحديث فانني كنت أتابع على النت أخبار الانتخابات البرلمانية في بلدي التي كانت تجري في نفس الوقت، ولا يعرف أنني كنت أتنقل مثل المجنون من موقع الى موقع لأعرف آخر أخبار التزوير في هذه الدائرة أو تلك، وعدد القتلي الذين سقطوا بسبب اصرارهم على الادلاء بأصواتهم، وأتابع صور الذين تسلقوا الأسوار معرضين أنفسهم لضربات عصي الأمن الذي منع الناس من التصويت.هذا الرجل لا يعرف شيئاً من ذلك وكيف له ان يعرف!. شكرته ووعدته خيراً ولكن بعد انصرافه غرقت في بحر من الحزن لأنه دون ان يقصد أهاج مشاعري وجعلني أدرك الحقيقة التي لم أكن أعرفها..أدركت أنني لا أستطيع ان أنتمي لوطن غير مصر ولا أستطيع ان أحظى بالسعادة في مكان آخر..هي لعنة أو شيء أقرب للعنة هذه الذاكرة التي ربطتني بوطن تعيس.هي لعنة أو شيء يشبه اللعنة هذه الروابط التي تشدني الى القرية الظالمة التي يلتهم فيها القوي الضعيف، بينما تجعلني عاجزاً عن الاندماج مع أماني أهل كندا الذين أستطيع ان أتحدث لغتهم بسهولة ومع ذلك فليست لي أحلامهم ولا تشغلني همومهم ولا أرى نفسي واحداً منهم على الرغم من تقبلهم لي وترحيبهم بي ومودتهم الغامرة تجاهي. هل يفهم الأصدقاء الآن لماذا قمت بالهجرة العكسية وعدت من كندا الى مصر، أم تراهم سيظلون يلاحقونني بالسؤال الذي يحمل اتهاماً واضحاً لي بأنني رجل فقري سيندم على النعمة التي تبطر عليها بعد ان ترك مكاناً يهاجر اليه حتى الأوروبيون لكونه الأول على مستوى العالم في صيانه حقوق الإنسان وكرامته، وعاد لوطن تم طرحه أرضاً وتثبيت أكتافه بواسطة المجرم وأعوانه. عدت لمصر لأنها الوطن الذي قال عنه أحد عشاقه: يا مصر وانتي الحبيبة...وانتي اغترابي وشقايا وانتي الجراح الرهيبة...و انتي اللي عندك دوايا. من مقدمة كتاب «لمس أكتاف».
Reviews

Authors
Quick Find
 
Use keywords to find the product you are looking for.
Advanced Search
We Accept







0 items
Manufacturer Info
Other products
Languages
English Deutsch french










osCommerce